سورة الواقعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)}
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} حال أخرى أو استئناف أي يدور حولهم للخدمة {ولدان مُّخَلَّدُونَ} أي مبقون أبدًا على شكل الولدان وحد الوصافة لا يتحولون عن ذلك، وإلا فكل أهل الجنة مخلد لا يموت، وقال الفراء. وابن جبير: مقرطون بخلدة وهي ضرب من الأقراط قيل: هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيآت فيعاقبوا عليها، وروى هذا أمير المؤمنين على كرم الله تعالى وجهه، وعن الحسن البصري واشتهر أنه عليه الصلاة والسلام قال: أولاد الكفار خدم أهل الجنة وذكر الطيبي أنه لم يصح بل صح ما يدفعه؛ أخرج البخاري. وأبو داود. والنسائي عن عائشة قالت: توفي صبي فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: أو لا تدرين أن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلًا ولهذه أهلًا، وفي رواية خلقهم لهما وهم في أصلاب آبائهم.
وأخرج أبو داود عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله ذراري المؤمنين فقال من آبائهم فقلت: يا رسول الله بلا عمل قال: الله أعلم بما كانوا عاملين قلت: يا رسول الله فذراري المشركين قال: من آبائهم فقلت: بلا عمل قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، وقيل: إنهم يمتحنون يوم القيامة فتخرج لهم نار ويؤمرون بالدخول فيها فمن دخلها وجدها بردًا وسلامًا وأدخل الجنة، ومن أبى أدخل النار مع سائر الكفار ويروون في ذلك أثرًا.
ومن الغريب ما قيل: إنهم بعد الإعادة يكونون ترابًا كالبهائم، وفي الكشف الأحاديث متعارضة في المسألة وكذلك المذاهب، والمسألة ظنية والعلم عند الله تعالى وهو عز وجل أعلم انتهى؛ والأكثر على دخولهم الجنة بفضل الله تعالى ومزيد رحمته تبارك وتعالى، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في ذلك.


{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)}
{بِأَكْوَابٍ} بآنية لا عرا لها ولا خراطيم، والظاهر أنها الأقداح وبذلك فسرها عكرمة وهي جمع كوب {وَأَبَارِيقَ} جمع إبريق وهو إناء له خرطوم قيل: وعروة، وفي البحر أنه من أواني الخمر، وأنشد قول عدي بن زيد:
ودعوا بالصبوح يومًا فجاءت *** في قينة يمينها إبريق
وفيه أيضًا أنه إفعيل من البريق، وذكر غير واحد أنه معرب آب ريزاي صاب الماء وهو أنسب مما في بعض نسخ القاموس أنه معرب آب ري بلا زاي، وأيًا ما كان فهو ليس مأخوذ من البريق، نعم الإبريق عنى المرأة الحسنة البراقة والسيف البراق والقوس فيها تلاميع مأخوذ من ذلك، ولعله يقول بأنه عربي لا معرب، وأن البريق مما فيه من الخمر والشعراء يصفونها بذلك كقوله:
مشعشعة كأن الحص فيها *** إذا ما الماء خالطها سخينًا
أو لأنه غالبًا يتخذ مماله نوع برق كالبلور والفضة {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} أي خمر جارية من العيون كما قال ابن عباس. وقتادة أي لم يعصر كخمر الدنيا، وقيل: خمر ظاهرة للعيون مرئية بها لأنها كذلك أهنأ، وأفرد الكأس على ما قيل لأنها لا تسمى كأسًا إلا إذا كانت مملوءة.


{لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)}
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها، والمراد أنهم لا يلحق رؤوسهم صداع لأجل خمار يحصل منها كما في خمور الدنيا، وقيل: لا يفرقون عنها عنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق.
وقرأ مجاهد {لا يصدعون}، بفتح الياء وشد الصاد على أن أصله يتصدعون فأدغم التاء في الصاد أي لا يتفرقون كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43]، وقرئ {لاَّ يُصَدَّعُونَ} بفتح الياء والتخفيف أي لا يصدع بعضهم بعضًا ولا يفرقونهم أي لا يجلس داخل منهم بين اثنين فيفرق بين المتقاربين فإنه سوء الأدب وليس من حسن العشرة {عَنْهَا يُنزَفُونَ} قال مجاهد. وقتادة. والضحاك: لا تذهب عقولهم بسكرها من نزف الشارب كعنى إذا ذهب عقله، ويقال للسكران نزيف ومنزوف، قيل: وهو من نزف الماء نزحه من البئر شيئًا فشيئًا فكان الكلام على تقدير مضاف.
وقرأ ابن أبي اسحق. وعبد الله. والسلمي. والجحدري. والأعمش وطلحة. وعيسى. وعاصم كما أخرج عنه عبد بن حميد {وَلاَ يُنزِفُونَ} بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه، ومعناه صار ذا نزف؛ ونظيره أقشع السراب وقشعته الريح وحقيقته دخل في القسع، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا {وَلاَ يُنزِفُونَ} بفتح الياء وكسر الزاي قال: في المجمع وهو محمول على أنه لا يفنى خمرهم، والتناسب بين الجملتين على ما سمعت فيهما أولا على قراءة الجمهور أن الأولى لبيان نفي الضرر عن الأجسام، والثانية لبيان نفي الضرر عن العقول وتأمل لتعرفه إن شاء الله تعالى على ما عدا ذلك.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9